فيضان النيل
-خرافة –
منذ عصور متوغّلة في القدم مرّ على العقليّة المصريّة طور جرت فيه مع الخيال وابتدعت الأساطير وآمنت بعدد من الآلهة، أثبتت لهم كثيرًا من الصفات البشريّة وأسكنتهم السماء تارةً والأرض طورًا، وأنزلتهم من السماء أحيانًا كي يراقبوا أعمال الناس ويجزوهم بما عملوا.
وقد قدّس المصريّون الأقدمون "النيل" واتّخذوه إلهًا لهم، وأطلقوا عليه شتّى الأسماء، أمّا كلمة "النيل" فيونانيّة الأصل وهي عند "اليونان" "نيلوس" والغالب أنّ "اليونان" أخذوا هذه التسمية عن "الفينيقيّين".
أمّا تمثال "النيل" الذي نحتوه من الصخر الصلد، فهو آية من الإتقان والإبداع، فقد مثّلوه رجلًا وسيمًا منتظم الخلق له نضارة وفيه غضارة، وعليه وقار، تلمح في وجهه نظرة الغنى، وفي سحنته رسوخ النسب وعراقة الأصل، قويّ الجسم سمينه مع خصر نحيل، وجعلوا له نهودًا قد تدلّت على صدرٍ رحب سمين، وعلى أفخاذه طين يسيل، والماء ينبع من نهده، وله قرينة تشاهد واقفة أمامه، وذراعاها مرتفعتان كأنّها تسأله الماء لإخصابها، وإنّك لتقرأ تحت هذا التمثال تلك العبارة "النيل هو ربّ الأرباب ومانح الغذاء ومخرج المأكولات بخصبه، ومالىء القطرين بغلّاته وهو واهب الحياة، ومفعم البلاد خيرًا ومزيل المجاعات".
هكذا مثّل الأقدمون النيل فلمّا أرادوا تعليل فيضانه ابتدعوا أسطورة "أوزوريس" الطريفة، التي تتلخّص في أنّ الإله "أوزوريس" نزل من السماء على هيئة إنسان كي يعلّم الناس السلام ويرشدهم إلى الهدى فأحبّوه، حتّى حقد عليه أخوه "ست" فدبّر له مكيدة قاس فيها من الآلام ما قاسى حتّى كاد يهلك، فحزنت عليه "أوزيس" وبكته بكاءً مرًّا، وفي أثناء بكائها سقطت من عينيها دمعة فوق نهر "النيل"، ففاض "النيل" على الفور، وأترع الوادي وملأ البلاد خصبًا وأشبعها ريًّا، ومنذ ذلك الوقت ظلّ يفيض عامًا بعد عام ويجري بالزيادة والنقصان في أيّام معلومة.